كانت العادة التي سارت حوالينا عند مجيئ شهر رمضان انتشار الأحاديث النبوية المتعلقة بأفضلية شهر رمضان وصيامه. ومع ذلك نحن لا نعرف حكم تلك الأحاديث، هل هي صحيحة أو ضعيفة، بل موضوعة؟ إذا كانت صحيحة فإعمالنا بها يؤدي إلى نزول الثواب من الله وإذا كانت ضعيفة فتحققنا أولا، هل ضعيفها شديد أو خفيف؟ وإذا كانت موضوعة فيجب علينا أن نتركها ولا نعمل بها، فقد قال رسول الله ﷺ في الحديث المتواتر ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).
نعم، فالطريقة لمعرفة حكم الحديث كثيرة ومراتب. منها تخريج الحديث ودراسة أسانيده ومراجعة أقوال العلماء فيه وغيرها. فالأمر الأول الذي لا بد لنا أن نقومه قبل الأخرى تخريج الحديث، وذلك لأن مسافة الأزمان بيننا والنبي ﷺ بعيدة جدا، وعدة الأحاديث الكثيرة والمتنوعة قد دونت في كثير من الكتب الحديثية منذ زمان، فكفى بنا راجعين إليها أولا.
في تخريج الحديث طرق. وقبل أن نظهر عن ما يتعلق بها، فعلى الأحسن نعرف أولا عن تخريج الحديث أو التخريج، هو لغة اجتماع أمرين متضادين في شيئ واحد، واصطلاحا –كما قال محمود الطحان- هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجه بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة. والمراد بالدلالة على موضع الحديث ذكر المؤلفات التي يوجد فيها ذلك الحديث كقولنا مثلا : ((أخرجه البخاري في صحيحه)) ونحو ذلك من العبارات. والمراد بمصادر الحديث الأصلية هو كتب السنة التي جمعها مؤلفوها عن طريق تلقيها عن شيوخهم بأسانيد إلى النبي ﷺ، كـ ((الكتب السته)) وغيرها. ثم كتب السنه التابعة للكتب المذكورة، كالمصنفات التي جمعت بين عدد من كتب السنة السابقة، مثل ((الجمع بين الصحيحين)) للحميدي، أو المصنفات التي جمعت أطراف بعض الكتب أو المختصرة من كتب السنة. ثم الكتب المصنفة في الفنون الأخرى التي تستشهد بالأحاديث، لكن بشرط أن يرويها مصنفها بأسانيدها استقلالا، مثل ((تفسير الطبري)).
ثم إذا عرض لنا حديث وأردنا تخريجه، ومعرفة وجوده في مصادره الأصلية، أو إذا طلب منا تخريج حديث من الأحاديث. فأول ما نفعله – قبل البدء بالبحث عنه في الكتب – هو أن نتأمل حال الحديث الذي عرض لنا أو طلب منا تخريجه. وكان محمود الطحان –كما ذكر في كتابه ((أصول التخريج ودراسة الأسانيد))- يظهر لنا أن طرق التخريج لا تزيد عن خمسة، وهي:
معرفة راوي الحديث من الصحابة، وهذه الطريقة يلجأ إليها عندما يكون اسم الصحابي مذكورا في الحديث الذي يراد تخرجه. فعلينا أن نستعين بثلاثة أنواع من المصنفات وهي كتب المسانيد مثل ((مسند أحمد بن حنبل والحميدي والطيالسي))، وكتب المعاجم مثل ((المعجم الكبير والأوسط والصغير للطبراني ومعجم الصحابة للموصلي))، وكتب الأطراف مثل ((تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف)).
معرفة أول لفظ من متن الحديث، وهذه الطريقة يلجأ إليها عندما نتأكد من معرفة أول كلمة من متن الحديث. والمصنفات المساعدة فيها الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة مثل ((التذكرة في الأحاديث المشتهرة))، والكتب التي رتبت الأحاديث فيها على ترتيب حروف المعجم مثل ((الجامع الصغير للسيوطي))، وكتب المفاتيح والفهارس التي صنفها العلماء لكتب مخصوصة مثل ((مفتاح الصحيحين)).
معرفة كلمة يقل دورانها على الألسنة من أي جزء من متن الحديث، ويستعان في هذه الطريقة بكتاب ((المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي)).
معرفة موضوع الحديث، وهذه الطريقة لمن رزق بالذوق العلمي الذي يمكنه من تحديد موضوع الحديث. والمصنفات المساعدة فيها الجوامع والسنن وغيرها مثل كتب الستة.
النظر في حال الحديث متنا وسندا، وهو بالبحث عن مخرج ذلك الحديث عن طريق معرفة الحالة أو الصفة في المصنفات التي أفردت لجمع الأحاديث التي فيها تلك الصفة في المتن أو السند، مثل كتاب ((الموضوعات)) و((مشكاة الأنوار )) وغيرها.
هكذا طرق تخريج الحديث، لكن الأن توجد طريقة أسهل من تلك الطرق، ألا وهي طريقة التخريج المعاصرة يعني على منهج الحاسوب ببحث اللفظ في المكتبة الشاملة وجوامع الكلم.
وبناء على ذلك، علينا أن نسلك بتلك الطرق السابقة لتحليل الأحاديث المنتشرة في شهر رمضان حتى لا نقع في إعمال الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة. ونسأل الله العفو والإستقامة في العبادة. والله أعلم.